محامية صومالية: التغيير النسوي يصطدم بسلطة الشيوخ والنظام العشائري

تمتد سطوة النظام القبلي والعشائري في أرض الصومال وتقف حاجزاً أمام تقدم النساء وتضمين حقوقهن في القوانين.

زهور المشرقي

تونس ـ تناضل النسويات والجمعيات الحقوقية على أرض الصومال من أجل تكريس حقوق النساء والدفاع عن حقهن في العيش داخل بلد تصون كرامتهن وحريتهن، وتسعى الناشطات إلى الدفع نحو إصلاحات وتشريعات حقيقية من شأنها النهوض بواقع النساء في البلاد.

تُعد أرض الصومال، الواقعة في القرن الإفريقي، من الكيانات السياسية التي أعلنت استقلالها عام 1991 بعد أن تأسست عام 1960، ورغم عدم الاعتراف الدولي الرسمي بها، تُعتبر أوضاع النساء فيها أكثر استقراراً مقارنة ببعض الدول الإفريقية الأخرى.

أوضحت المحامية والناشطة النسوية حنان عمر، أن جذور الحركة النسوية في أرض الصومال تعود إلى ما قبل الاستقلال، حين بدأت النساء في المطالبة بحق التعليم والمشاركة في الحياة العامة، لا سيما خلال فترة السبعينيات وخلال الحكم المركزي في الصومال الكبير، حيث شهدت البلاد تزايد انخراط النساء في مجالي التعليم والصحة.

وأضافت أن مرحلة ما بعد إعلان الاستقلال شهدت بروز دور النساء في جهود السلام وإعادة الإعمار. واليوم، تشهد أرض الصومال حراكاً نسوياً متنامياً تقوده منظمات على غرار شبكة "ناغعاد"، وتدعمه ناشطات بارزات تعملن على قضايا جوهرية مثل التمثيل السياسي، محاربة ختان الإناث، والزواج المبكر، فضلاً عن حملات تطالب بتخصيص 30% من مقاعد البرلمان للنساء.

ورغم التحديات الثقافية والسياسية، يواصل هذا الحراك بناء وعي نسوي محلي يسعى إلى ترسيخ مكانة المرأة داخل المجتمع.

وعن الناشطات والمنظمات النسوية البارزة في أرض الصومال ودورهن في تعزيز الحركة النسوية، قالت "لدينا منظمات نسوية بارزة في أرض الصومال تعمل دفاعاً عن النساء على غرار شبكة ناغعاد التي تأسست عام 1997، وهي واحدة من أكبر شبكات المنظمات النسائية في أرض الصومال، وتضم أكثر من 40 منظمة وتعمل على تمكين النساء سياسياً، واقتصادياً، وتعليمياً، وتقوم بحملات ضد الزواج المبكر وختان الإناث، ومنظمة SIDRA، التي تعمل على تمكين المرأة وبناء قدرات النساء في مجالات الاقتصاد، والبحث، والمشاركة السياسية، كما تجري دراسات حول أوضاع النساء في أرض الصومال، إضافة إلى منظمة WAAPO، وهي منظمة نسوية تنشط في مجال الدفاع عن حقوق النساء والفتيات، وتنظم حملات توعية مجتمعية، ولدينا ناشطات نسويات بارزات قدمن حياتهن لنصرة المرأة في أرض الصومال على غرار أسماء حاشي إلبوح، وهي ناشطة بارزة في مجال حقوق المرأة، تشغل مناصب استشارية في منظمات دولية ومحلية، وتدافع عن زيادة تمثيل النساء في السياسة والتعليم، وسهى محمد عبدي وهي ناشطة ومؤسسة لمبادرات مجتمعية تهدف لتمكين الفتيات من خلال التعليم والتدريب المهني، خاصة في المناطق الريفية، وأمل عبدي حسن وهي عضوة سابقة في البرلمان، وناشطة في مجال حقوق النساء، خاصة فيما يتعلق بإصلاح القوانين لحماية المرأة من العنف الأسري".

وتطرقت إلى المبادرات النوعية التي تقوم بها المنظمات كحملة 30% لتمثيل النساء في البرلمان وهي مبادرة تقودها منظمات نسائية للمطالبة بتخصيص نسبة 30% من المقاعد للنساء في البرلمان والمجالس المحلية وحملات التوعية ضد ختان الإناث من قبل العديد من المنظمات التي تقود حملات مجتمعية وتعمل مع رجال الدين والزعماء العشائريين لتغيير النظرة تجاه هذه الممارسة.

وأوضحت حنان عمر أنه رغم التحديات، فإن الناشطات والمنظمات في أرض الصومال تحققن تقدماً ملحوظاً في ترسيخ حقوق المرأة، وبناء وعي نسوي محلي ينسجم مع الخصوصيات الثقافية والاجتماعية.

وعن انعدام المساواة بين الجنسين وحقوق المرأة داخل مجتمع يسيطر عليه الذكور، برضاء شعبي، ردت "المجتمع الصومالي تقليدياً مجتمع أبوي، يُدار عبر نظام عشائري يُعلي من قيمة الذكورة والسلطة الأبوية، ويُرسّخ تفضيل الرجال في مراكز القيادة واتخاذ القرار، سواء في السياسة أو المجتمع أو حتى الأسرة".

وعن تفضيل قيادة الرجل عن المرأة في المجتمع الصومالي، أكدت حنان عمر أن السلطة العشائرية أو النظام العشائري في الصومال يقوم على تمثيل القبائل من خلال "المسنين" الذكور، ولا تزال النساء مستبعدات من هذا التمثيل، مما يعني أن عملية اتخاذ القرار تبدأ وتنتهي بين الرجال، ويُنظر إلى مشاركة النساء كتهديد لهذا التوازن التقليدي، وفق تفسير ديني محافظ، برغم أن الإسلام لا يمنع تولي المرأة للقيادة، إلا أن بعض التفسيرات المحلية المتشددة تُستخدم لتبرير إقصاء النساء، وتُروّج لفكرة أن "مكان المرأة بيتها"، وهو ما يعزز سلطة الرجل.

ولفتت إلى التنشئة الاجتماعية التي تكبر الأطفال على عدم الاعتراف بدور النساء منذ الطفولة، ويُربى الأولاد على أنهم "قادة" المستقبل، بينما تُربى الفتيات على الطاعة، والرعاية، والسكوت، مما يجعل المجتمع بأكمله، رجالاً ونساءً، يَقبل ويُعيد إنتاج هذا الواقع، علاوة على الخوف من التغيير، حيث تعتبر القيادة النسائية خروجاً عن الأعراف، وقد تواجه مقاومة مجتمعية خشية "تفكك القيم"، وكأن المساواة تهدد النظام الاجتماعي نفسه.

وعن مساهمة الصوماليات في ترسيخ هذه السطوة الذكورية، بينت "أحياناً تساهم النساء بشكل غير مباشر في ترسيخ البُنى الذكورية، والسبب لا يعود إلى ضعف أو خضوع، بل إلى عوامل معقدة كـ القبول الاجتماعي فالعديد من النساء تفضلن الامتثال للأدوار التقليدية حفاظاً على سمعتهن أو استقرارهن الأسري، ونقص البدائل والدعم حيث أن النساء اللواتي تحاولن كسر القيود يُتركن في عزلة، ما يجعل الصمت خياراً أسهل وأقل كلفة، فضلاً عن نقل القيم إذ تعيد الأمهات بدافع الحب والحرص إنتاج مفاهيم الطاعة والتبعية لدى بناتهن، لأنهن أنفسهن تربّين على ذلك".

وتابعت "لكن من المهم أن نُشير إلى أن هذا لا يعني غياب وعي نسوي أو نساء مقاومات، بالعكس، هناك نساء صوماليات في الداخل والشتات يُكافحن يومياً ضد هذه البُنى، وبعضهن يدفعن ثمناً كبيراً لأصواتهن. الصمت أحياناً ليس ضعفاً، بل نتيجة لعوامل مركبة من الخوف، والضغوط الاجتماعية، وانعدام الحماية".

وحول القلق العميق الذي عبرت عنه الأمم المتحدة والمنظمات الدولية إزاء العنف المتصاعد ضد النساء في أرض الصومال حيث يؤثر تزايد انتشار الاغتصاب والعنف المنزلي وهو متجذر في النزاع، بشكل مضاعف على المرأة ومدى وجود قوانين تحميهن، أشارت إلى أن العنف القائم على النوع الاجتماعي أصبح قضية متزايدة الخطورة، وتثير قلقاً داخل المجتمع المحلي والمنظمات الدولية، مثل الأمم المتحدة، خاصة مع عدم وجود قوانين شاملة ومفعّلة لحماية النساء من العنف الجنسي أو المنزلي، ملخصة الوضع القانوني في وجود قانون العقوبات الحالي الذي يعتبر قديماً، ويعود لفترة الحكم الإيطالي، ولا يعترف بوضوح بالعنف المنزلي أو الاغتصاب الزوجي كجرائم، إضافة إلى غياب قانون خاص لحماية المرأة، مثل قانون مكافحة العنف القائم على النوع الاجتماعي، برغم محاولات متكررة لتقديمه، لكنه يواجه مقاومة من بعض الجهات الدينية والعشائرية.

وعن دور المجتمع المدني، أوضحت حنان عمر "رغم هذا الواقع الصعب، يلعب المجتمع المدني دوراً مهماً ومتصاعداً في مواجهة العنف ضد النساء، ومن أبرز الجهود التوعية حيث تسعى منظمات مثل NAGAAD وWAAPO وSWDC إلى القيام بحملات توعوية حول حقوق النساء وضرورة إنهاء الصمت حول العنف الجنسي علاوة على تقديم الدعم القانوني والنفسي، إذ تقدم بعض الجمعيات استشارات قانونية مجانية، ومساعدة نفسية للناجيات من العنف، رغم نقص الموارد.

ودعت المنظمات إلى الضغط من أجل إقرار القوانين لحماية النساء، لافتة إلى محاولة المجتمع المدني بقيادة نساء وناشطات منذ سنوات الضغط على البرلمان لتمرير قانون يحمي النساء من العنف، لكن الأمر يتعثر بسبب معارضة بعض رجال الدين وشيوخ العشائر، معولة على التعاون مع منظمات دولية كمنظمات الأمم المتحدة التي تدعم هذه الجهود من خلال التمويل، وتدريب الناشطات، ودعم مراكز حماية النساء.

وخلصت إلى أنه رغم أن العنف ضد النساء في أرض الصومال في تزايد، إلا أن غياب قوانين قوية، وضعف النظام القضائي، والتقاليد الاجتماعية الصارمة تجعل النساء في وضع هش جداً، ومع ذلك، فإن المجتمع المدني خصوصاً بقيادة النساء بدأ يكسر الصمت، ويضع هذه القضايا في واجهة النقاش المجتمعي، وهذا بحد ذاته خطوة مهمة نحو التغيير.

وعن العمل مع منظمات أخرى أفريقية وعربية للتشبيك وتبادل التجارب، قالت "في سياق أرض الصومال هناك بالفعل جهود من قبل منظمات نسوية محلية للتواصل مع منظمات عربية وأفريقية، لكن هذه الجهود تختلف في مدى تنظيمها واستمراريتها حسب البيئة السياسية والدعم الدولي، ونعمل على إقامة الشراكات مع منظمات أفريقية، وبعض المنظمات النسوية في أرض الصومال تعمل مع منظمات من دول مثل كينيا، إثيوبيا، وأوغندا في مجالات مثل مناهضة ختان الإناث والتمكين الاقتصادي للنساء ودعم الناجيات من العنف الجنسي وهذه الشراكات تتم غالباً من خلال مشاريع تموّلها منظمات إقليمية أو دولية".

وعن الاتصال بالمنظمات الشرق أوسطية، اعتبرت أنه لا يزال محدوداً، لكنه موجود أحياناً من خلال مؤتمرات تنظمها جهات مثل الجامعة العربية أو منظمات نسوية إقليمية مثل "المبادرة النسوية الأورومتوسطية" وبرامج تنفذها وكالات أممية تجمع منظمات من مناطق متعددة، بما فيها العالم العربي.

وعن العوائق والتحديات، أوضحت الناشطة حنان عمر أن الوضع السياسي غير المعترف به دولياً لأرض الصومال قد يعيق بعض أشكال التعاون الرسمي، إضافة إلى نقص التمويل والتحديات اللوجستية في الوصول إلى المنصات الإقليمية، ولكن بالرغم من ذلك، هناك ناشطات ومنظمات محلية أثبتت حضورها في الشبكات النسوية الإقليمية، خصوصاً في القضايا المتعلقة بحقوق الفتيات، والصحة الإنجابية، والتعليم.